تمغربيت:
بقلم الأستاذ الحسن شلال
قال الأمير تركي الفيصل في كلمته التي لخص فيها كل شيء تقريبا في عبارات قليلة عملا بقاعدة “أفضل الكلام ما قل ودل” :
“أنا لا أدعم الحل العسكري في فلسطين.. أفضل حلا آخر.. العصيان المدني.. الذي أسقط الإمبراطورية البريطانية في الهند.. والإمبراطورية السوفياتية في شرق أوربا.. لإسرائيل تفوق عسكري هائل.. ونرى أمام أعيننا الدمار وبلا اكتراث الذي تجلبه لغزة”.
فالذين يتصورون أن الحقوق لا تنال إلا بالعنف خاطئون بمفهوم الواقع والتاريخ، خصوصا حين يكون التفوق واضحا لصالح المغتصب والمستعمِر. فالعصيان المدني في الهند أطاح بأحد أعتى الإمبراطوريات (بريطانيا).. والاتحاد السوفياتي انهار ماليا واقتصاديا من جهة، ثم بفضل المواجهات السلمية لشعوب المعسكر الشرقي في بولونيا وألمانيا الشرقية وغيرها .. كما حالات أخرى عبر العالم.
يضيف الأمير تركي الفيصل:
” أدين بشكل قاطع استهداف حماس للأهداف المدنية من أي سن أو جنس – كما يتم اتهامها – .. وأدين أيضا حماس لمنحها أرضية أخلاقية عليا لحكومة إسرائيل – المنبوذة عالميا – حتى من نصف الشعب الإسرائيلي باعتبارها فاشية وخبيثة ومكروهة.. ثم أدين حماس لإعطاء هذه الحكومة الشنيعة العذر لتطهير غزة عرقيا من مواطنيها وقصفهم دون اكتراث “
وفيه إشارة إلى أن إسرائيل منبوذة بأفعالها ضد المدنيين واحتلالها لأرض بالعنف، بل ومُنتقدَة داخليا من نصف المجتمع الإسرائيلي ذاته.. وبالتالي حماس مدانة باستهدافها للمدنيين قتلا وأسراً، خصوصا قيامها بهكذا خروقات ضد أطفال ونساء وفتيات وعجائز.. لكن أيضا مدانة لأنها – بغبائها ووحشيتها هذه – أعطت العذر والفرصة والأرضية الأخلاقية لإسرائيل لفعل أي شيء وكل شيء من أجل تطهير غزة ماديا وعرقيا ضد أهلها، دون الاكتراث لأي إدانة من أي جهة دولية.. وهو ما يقع أمامنا وأمام أعين العالم..
يضيف الأمير:
“إنني أدين حماس لتخريبها محاولة المملكة العربية السعودية للتوصل إلى حل سلمي لمحنة الشعب الفلسطيني”
أكيد أن حماس وهي تنفذ هذه العملية وضعت نفسها في خدمة أجندة إيرانية تخص الأمن الاستراتيجي الإقليمي لطهران.. أمر لا يهم غزة ولا أهلها في شيء.. وكأن حماس تقوم بحرب بالنيابة عن إيران في “صراع الهيمنة” على المنطقة في مواجهتها مع السعودية.. حرب بالوكالة وضعت حماس في صورتها الحقيقية، صورة الحركة الوظيفية كذراع تنفيذي لطهران مثلها مثل الجهاد الإسلامي بفلسطين أيضا وحزب الله وفيلق القدس ووو.. وضعت حماس نفسها وسط حرب إقليمية، كبيرة عليها.. حرب مماثلة لحرب حزب الله في سوريا بعيدا عن لبنان ومزارع شبعا..
كلام الأمير تركي الفيصل واضح في أن حماس بهكذا عملية مجنونة غير محسوبة.. تخرب محاولات ومساعي سعودية جادة في اتجاه حل سلمي يسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم على حدود ال67 وعاصمتها القدس الشرقية ..
الأمير تركي الفيصل يدين إسرائيل:
“ولكنني أدين بالمثل القصف الإسرائيلي العشوائي للمدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة ومحاولة إجبارهم على دخول سيناء.. إنني أدين عمليات القتل الإسرائيلية المستهدفة والاعتقال العشوائي للأطفال الفلسطينيين، أطفالا ونساء ورجالا في الضفة الغربية.. رد الأذى لا يكون بالأذى”
أعمال إسرائيل اتجاه المدنيين من قصف وقتل للمدنيين الفلسطينيين أمر مدان لا يمكن تبريره بما فعلته حماس بالمدنيين أيضا؛ فلا يرد الأذى بمثله ولا قبول لاستعمال العنف مقابل عنف آخر.. فكما هو مرفوض من طرف حماس فهو كذلك بالنسبة لإسرائيل ..
وتهجير إسرائيل للفلسطينيين قسرا وبشكل جماعي كعقاب جماعي من جهة، وكمخطط إسرائيلي يرمي إلى إفراغ غزة ديمغرافيا، ثم التدخل بريا بعدها لاحتلال غزة كما كان الحال قبل 1993 أمر غير مقبول بالمرة.
سياسة الغرب والكيل بمكيالين مرفوضة
“إنني أدين الساسة الغربيين الذين يذرفون الدموع عندما يُقتَل الإسرائيليون على يد الفلسطينيين، لكنهم يرفضون حتى التعبير عن حزنهم عندما يقتل الإسرائيليون الفلسطينيين ..”
سياسة الغرب متناقضة وليست عادلة، فهي تتحيز لإسرائيل دائما: تدين الفلسطينيين وتغض الطرف على بشاعة الأعمال الإسرائيلية. تحيز لا يخدم حل القضية الفلسطينية بتاتا، في اتجاه حل الدولتين جنبا إلى جنب وإنهاء هذا الملف الذي وضع منطقة الشرق الأوسط تعيش فوق بركان من العنف والعنف المضاد وحمامات دم منذ 48 أي منذ 75 سنة.
والجانب الإنساني حاضر
“لا يوجد أبطال في هذا الصراع سوى الضحايا”
فالجانب الأخلاقي والإنساني هو الغائب الأكبر في كل ما حصل منذ 48 وما يحصل إلى يوم الناس هذا .. والمدنيون هم الخاسر الأكبر، سواء تعلق الأمر باليهود أو الفلسطينيين أو المسيحيين..