تمغربيت:
بقلم الأستاذ الحسن شلال
20 يوما هي المدة الفاصلة بين 16 أكتوبر و6 نوفمبر من عام 1975.. مدة زمنية ستقلب تاريخ وجغرافية منطقة شمال إفريقيا، مثلت منعطفا تاريخيا بالنسبة للمملكة المغربية، وتحولا في ميزان القوى لصالح المملكة الشريفة إقليميا، ووُضِعت المنطقة على إثرها.. في معادلة صعبة ولا استقرار، دام 48 سنة وما زال مستمرا (لافتعال القذافي والجزائر لنزاع ضد المغرب) .. 20 يوما اتخذ فيها “الملك والشعب” قرارا سياسيا واستعدادات شعبية.. لخوض حرب بأسلوب شعبي سلمي.. شكّل سابقة في تاريخ التحرر من الاستعمار، من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة والأمة المغربية، واسترجاع أقاليمها الجنوبية.
16 أكتوبر 1975 هو تاريخ إصدار محكمة العدل الدولية بلاهاي لرأيها الاستشاري حول الصحراء، بالقرار التاريخي المفيد بأن هذا الجزء من تراب المملكة لم يكن يوما أرضا خلاء، وأن روابط قانونية وأواصر بيعة كانت تجمع بين سلاطين المغرب وبين ساكنة وقبائل الصحراء، في اعتراف دولي لا يقبل التأويل بشرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه السليبة .. فكرست بذلك شرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه المسلوبة.
محكمة لاهاي تعترف بمغربية الصحراء
ومساء 16 أكتوبر 1975.. هو تاريخ إعلان جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني.. عن تنظيم المسيرة الخضراء تزامنا مع صدور رأي محكمة لاهاي الدولية الاستشاري، الذي يعتبر بمثابة اعتراف.. كان بداية للتحرك لاسترجاع ربوع.. وتراب كان خاضعا للاستعمار الإسباني منذ 1884
و6 نونبر 1975 هو التاريخ.. الذي أعلنه الراحل الحسن الثاني موعدا لتنظيم مسيرة خضراء، في تحد للاحتلال الإسباني بالطرق السلمية، كما كان الحال بالنسبة لملف طلب المغرب أمام مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة دبلوماسيا وسلميا أيضا ..
وجسدت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في السادس من نونبر عام 1975:
_ أولا مبادئ تشبث المغاربة بترابهم الوطني .. لهذا فملف الصحراء سالت من أجله دماء الشهداء.. واستماتت فيها القوات المسلحة.. بشكل بطولي قل نظيره زمن الشح في السلاح، أمام جيوش الجزائر والمرتزقة وليبيا ومصر وسوريا وكوبا ودول المعسكر الشرقي برمته، فلم تستطع سلب حبة رمل من هذه البقعة المسترجعة الطاهرة.. بل نحن نعيش انهيار هذه الأنظمة وانقسام شعوبها وتفقيرها.
_ ثانيا التحام بين الشعب والعرش .. حيث تم القرار على مستوى القيادة والقصر وتمت تلبية النداء على مستوى الشعب في شكل إجماع تام من فئات وشرائح المجتمع المغربي على الوحدة..
_ ثالثا .. كما جسدت أيضا نموذجا مغربيا يعكس الفرادة المغربية كمثال يحتذى به في نبذ الحروب والعنف (إلا مرغمين وللضرورة الدفاعية) والتشبع بقيم السلام، وتغليب الخيارات السلمية والتفاوضية والدبلوماسية.
_ رابعا .. قرار الإعلان عن المسيرة الخضراء، مثل إذا “خيارا استراتيجيا” حرص من خلاله الحكيم الحسن الثاني على تجنيب المغرب والمنطقة حربا مدمرة، كانت ستطال المدنيين والجنود، والاقتصاد ومسوى معيشة الشعب، وكان الأمر سيطول دون تحقيق هذه النتيجة بتلك السرعة والسلاسة .. (ولولا القذافي والجزائر لانتقل المغرب إلى مراحل أخرى من التحرير سواء باتجاه سبتة ومليلية أو إتمام الاتفاق المغربي الجزائري حول الصحراء الشرقية أو إنهائه والمفاوضة حوله مجددا بمجلس الأمن)
إنتهاء الإحتلال الإسباني للصحراء الغربية المغربية
20 يوما حدد فيها المغرب وملك المغرب إنهاء احتلالٍ لأجزاءَ من التراب المغربي التارخي، في سلسلة طويلة من أجل استكمال المملكة الشريفة لاستقلالها .. نتكلم عن” استكمال”.. لأن احتلال المغرب تمَّ من طرف 3 جهات أوربية، من خلال وصاية دولية على “طنجة”.. وكذا اتفاقيات انتداب وحماية على شمال المغرب.. وجنوبه من طرف إسبانيا.. ووسطه من طرف فرنسا، والحقيقة أن الكثير لا يعرف أن الإمبراطورية الشريفة من نواذر الدول.. التي خضعت لهجوم ثلاثي من الدول الاستعمارية وإلى تقسيم ثلاثي لجهاته، وبالتالي تحتم عليه بفضل الله أولا وتلاحم شعبه وحركته الوطنية والقصرثانيا، لوحدهم دون مساعدة عربية أو إفريقية بأي شكل من الأشكال، من تحرير أراضيه عبر محطات ومراحل .. ففي الحالة المغربية، غالبا ما تستعمل عبارة “استكمال الوحدة الترابية أو استكمال واسترجاع الأقاليم الفلانية أو المدينة والثغور الفلانية”
في مساء 6 نونبر 1975 ؛ قال الحكيم الحسن الثاني، في خطابه الموجه للأمة بهذه المناسبة “بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن. واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار” (…) “لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه”.