تمغربيت:
في كتابه “ذاكرة ملك”، يسرد الراحل الحسن الثاني سؤالا لأحد الصحفيين حول القدرات والمؤهلات النفطية للجارة الجزائر، وهل يشكل ذلك مصدر إزعاج له أو للمغرب؟ فكان رد الحكيم: “ما يهمني ليس النفط الذي تتوفر عليه الجزائر بل أوجه استعماله، وفي الوقت الذي يستخرجون فيه البترول، أنا أشيد السدود. وإنني أعرف أن بعض العسكريين الجزائريين سيقولون شامتين (انظروا إليه يزرع الطماطم بينما نحن نزرع أنابيب البترول). لهؤلاء أقول: أتمنى لكم حظًا سعيدًا في اليوم الذي سيكون فيه عليكم أكل شطائر لحم مصنوعة من البترول”.
إذا مغرب الملوك، رغم افتقاره لمؤهلات وقدرات نفطية وغازية مثل الجزائر، لا يشعر بالقلق منها ولا من كمية النفط الموجود بها، وإن ما يهم المغرب هو أوجه استعمالها.. وقد أثبتت الأيام صحة رؤية الملك الحسن الثاني. حيث أصبحت الجزائر اليوم تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة بسبب اعتمادها حصريا على النفط. هذا فعلا ما نشاهده حاليا في جزائر الطوابير على أبسط المواد الغذائية والبقوليات والقطاني وانقطاع الماء والكهرباء وهروب الشباب عبر قوارب الموت إلى أوربا.. لأن استعمال هاته الثروة الهائلة تم في غير تنمية الجزائر بل في محاولة تقسيم المغرب.. وشن حروب ضد المغرب من خلال البوليساريو: ذراعها التنفيذي..
الملك الراحل الحسن الثاني وسياسة السدود
المغرب في إطار استراتيجية الملك الحسن الثاني، اهتم بما لديه من فرص طبيعية وبشرية.. اهتم ببناء السدود والتنمية الزراعية، وهو ما يعكس رؤية استشرافية مستقبلية ثاقبة.. فكان الملك الراحل مدركا تمام الإدراك والوعي أن التنمية المستدامة والاستقلال الاقتصادي هما أساس قوة الدول. فركز مجهوداته على تنمية موارده الطبيعية من مياه وطاقات متجددة وهي الأكثر استدامة في المستقبل.
هذا ما سار عليه مغرب الحسن الثاني.. ومغرب محمد السادس فتحقق في عهدهما تقدم كبير في مجالات شتى (فلاحة وصناعة وسياحة وخدمات وبنية تحتية ووو).. في حين بقيت الجزائر رهينة اقتصاد ريع.. يتمثل في استخراج موارد خام وبيعها والسلام، فلم تهتم إلى حدود اليوم لا بفلاحة ولا صناعة ولا سياحة أي بتنويع الاقتصاد، مما أدى بها إلى أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية، رغم كل ما تملكه من نفط وغاز.
فإذا كانت التنمية المستدامة تعني تطوير الاقتصاد بطريقة تحافظ على الموارد الطبيعية والبيئية. فإن الاستقلال الاقتصادي يعني القدرة على إنتاج السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع دون الاعتماد على الخارج بشكل أساسي.
ما قاله الملك الحسن الثاني رحمه الله في مذكراته، يعكس حكمته في إدارة الموارد الطبيعية واستغلال الموارد البشرية وتنميتها. فقد كان الملك الحسن الثاني يدرك أن النفط مورد غير متجددة ومآله الفناء يوما، وأن المغرب يجب أن يركز على تنمية موارده الطبيعية كلها. وهدا التخطيط الاستراتيجي هو الأكثر استدامة في المستقبل، وقد ساعد فعلا، المغرب على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.