تمغربيت:
بقلم الأستاذ: المنصور الذهبي
إن المتتبع لتصريحات الرئيس الجزائري خلال العام الجاري يكاد يظن أن دخول الجزائر لمجموعة البريكس (أو البريكسيت الجزائري) بات أمرًا محتوماً.. ولم يعد يمنعه إلا بعض الترتيبات الإدارية. وأن البلاد هي حقيقةً بلاد ناهضة اقتصاديا وصناعيا ويمكنها أن تركب سفينة الناهضين الخمسة.. الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا.
تأكيدات تبون
فالرجل ما فتأ يذكر في كل مناسبة عزم بلاده الانضمام إلى المجموعة، بل وقام برحلات مكوكية لعدة عواصم دولية كموسكو وبكين.. من أجل التأكيد على هذا العزم. وأظهر رغبة بلاده الكبيرة أمام بوتين وجين پين، ووصل الأمر في تصريحات الرئيس الجزائري إلى الإعلان عن رغبته في التعامل بالروبل بدل الدولار أو اليورو.. في مجاملة رخيصة للدب الروسي الذي يعرف تماما أنه لو كان لعملة أن تحل محل الدولار لكان اليوان الصيني أحق بها، وليس الروبل الروسي.
ومليار ونصف تبخرت كما تبخرت باقي ملايير الشعب الجزائري
ولم يقف الأمر عند إظهار النية والعزم، كما هي حال باقي الدول التي ترغب في الانضمام.. بل تعداه إلى تقديم مليار ونصف مليار دولار من خزينة الجزائر لبنك البريكس، تشجيعا للأعضاء على القبول بالبلاد عضوا معهم (البريكسيت الجزائري). وهو ما خالفت فيه الجزائر كل قواعد الدول الراغبة في الانضمام، إذ يمكن تأويل هذا التصرف على أنه رشوة للمجموعة، فكيف يعقل تقديم هذا المبلغ الباهظ قبل الانضمام.. وهو الأمر الأشبه بتقديم مليار ونصف مليار دولار للفيفا مع ملف الترشح لتنظيم كأس العالم. تصرف مفضوح ومشين لكل دولة تحترم نفسها ومؤسساتها.
مع أن الجميع يعلمون، عدا بعض الفئات -وهي كثيرة للأسف- من الشعب الجزائري، أن بلادهم لا تتوفر فيها أبسط شروط الدول الناهضة.. فالجزائر لا تتوفر حتى على نظام بنكي عصري، ولا زال العثور على شباك بنكي اوتوماتيكي في البلاد أمرًا صعبا. ولا زال رقم التعاملات الرقمية في الحضيض، ناهيك عن اعتماد اقتصاد البلاد على إيرادات المحروقات حصرا.. واستيراد كل شيء من العالم المصنَّع، بما فيها المواد الأساسية من حليب وزيت ودقيق.
نظام لا يعرف للأعراف الدبلوماسية طريقا
ولكن المسؤولين في الجزائر لا يعيرون اهتماما للأعراف الدبلوماسية والقوانين الإدارية التي تحكم المجموعات والمنظمات الدولية. وقد ظهر ذلك جليا في كل التظاهرات التي نظمتها البلاد، سواء السياسية منها أو الرياضية أو الثقافية.. فهناك إصرار شبه دائم على إقحام وجهة نظر المسؤولين الجزائريين في كل شيء، وجهة نظر أحادية وغير ناضجة بالمناسبة.
فما فتئوا يخلطون السياسة بالرياضة والثقافة والفنون، في كل تظاهرة نُظمت في بلدهم. وهم بذلك يصرون على تقديم وجه قبيح للجزائر.. وجه يشبه كثيرا الدول المنغلقة على نفسها المعزولة عن العالم كما كان الاتحاد السوفياتي سابقا وكما هي كوريا الشمالية اليوم، ولكن التاريخ لا يرحم، إذ ينبذ الشواذ من جغرافيته.
وقد جاء الرد مناسبا للقيادة العسكرية في الجزائر، ليوقفها عند حدها ويبين لها أن ما يتم تسويقه لاستهلاك الداخلي في الجزائري لا ينطلي على مجموعة البريكس. وبذلك فقد خرجت الجزائر من البريكس حتى قبل أن تدخل فيه، فحق أن يسمى دخولها المزعوم إلى البريكس، بريكسيتا جزائريا.