تمغربيت:
تدَاول محسوبون على “النخبة”، مؤخرا، نصا للزعيم الوطني محمد بلحسن الوزاني ينتقد فيه الزوايا وبعض المظاهر المرتبطة بها.
يقول الزعيم الوزاني في ذات المقطع.. “على المستوى الواقعي الزوايا منافقة وخادعة وماكرة ومشعوذة.. تستعمل الدين في سبيل المنافع والأغراض والشهوات (…) واقتصاديا تعيش الزوايا عالة على المجتمع فهي تستنفع من الناس ولا تنفعهم، ونظريا الاسلام لا يعترف بالزوايا.. لأنه لا يعترف بأي وساطات بين الله والعباد (…) من الناحية الثقافية لا يمكن اعتبار الزوايا دور ثقافة او تعليم، بل هي دور رقص وطعام” (مذكرات حياة وجهاد).
ويذكرنا هذا الموقف بالبدع التي تحدث عنها الشيخ محمد المكي الناصري في كتابه “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة”.. والتي اشتهرت بها بعض الزوايا طيلة فترة الاستعمار، فحالت بين المغاربة وبين وعي سياسي يدفعهم لتحرير وطنهم.
تلك هي ذات المعركة التي حكمت موقف الزعيم الوزاني، وليس كلامه بمنفصل عن شرطه التاريخي.. ولا هو نفس الموقف الذي يجب اتخاذه في شرط الاستقلال ورهان الدولة المغربية على الزوايا في أغراض ليست هي أغراض الاستعمار قطعا.
من يستعصي عليه التمييز بين استقلال واستعمار، وبين موقف اجتماعي وآخر وطني (اجتماعي من منظور آخر)؛ يستعصي عليه بالضرورة التمييز بين زوايا/ طرقية/ صوفية الاستعمار وصوفية الدولة الوطنية.. ليس قادرا، إذن، على إدراك وظائف الزوايا في الداخل، من قبيل امتصاص جزء من الغضب السياسي والاحتماعي، وخلق نوع من التوازن في الخطاب الديني، والمساهمة في تخليص الدين للسلطان مخافة الفتنة فيه (أي في الدين).. وحفظ الوجدان من ضرورات التاريخ (مدنسة بحكم طبقية التاريخ).
ليس أيضا قادرا على إدراك وظائف الزوايا في الخارج.. إذ هي منارات لاستقطاب خبرات الجالية بمدخل صوفي، وتعريف العالم بالنموذج التزكوي المغربي، كما يمكن اعتبارها قوة ناعمة قد تمارس نوعا من الدبلوماسية الدينية الموازية في عدد من الدول الأوروبية والإفريقية والمغاربية والعربية والآسيوية..
من يفكر بالظاهر يضل كثيرا، بل في غالب الأحيان.. التاريخ باطن المظاهر السياسية والاجتماعية، من أهمله اضطرب وعيه وفسدت مفاهيمه.. وكان كلامه مجرد أدلوجة يسلي بها نفسه ويدغدغ بها مقولات تشق عليه مفارقتها!