تمغربيت:
الاضطرابات الأخيرة في فرنسا.. بين المعياري والموضوعي
الاحتجاجات المصحوبة بأعمال الشغب والنهب من طرف شريحة تنتمي إلى بلاد هوك.. على خلفية “القتل العمد” لشاب فرنسي من أصول جزائرية، كان لها، وسيكون لها تداعيات قانونية وسياسية جمة. سنتطرق في هذه المقالة لواحد من أوجهها.
فإذا كان المشهد يوحي بأن في فرنسا (وغيرها في أوربا).. يوجد مواطنون ومواطنات متحضرون يمتثلون لقوانين النظام الفرنسي إلخ.. ففي المقابل توجد فئة لا تنضبط للنظام العام بل تهدده بتبنيها للعنف والبلطجة والسرقة.. إلخ.
مقاربة اجتماعية علمية
ومن خلال مقاربة اجتماعية علمية (علم الاجتماع تحديدا) علينا إدانة العنف طبعا، وإدانة مقابلة العنف بالعنف، أو أخذ الحقوق بالتماس العنف المضاد، أيضا.. وقبل هذا وذاك ، علينا التفكير والبحث ومناقشة أسباب هذا العنف وهذه الردود العنيفة ضد العنف.
في هذا الصدد، وجب التطرق للوضع الاجتماعي الصعب والبئيس أحيانا، للسكان المهاجرين في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى. وكذا العنصرية التي يتعرض لها الكثير منهم كل يوم، وتفشي المخدرات والعنف والجريمة بهاته الضواحي والهوامش.. مقابل الوضع المريح بالحواضر الفرنسية التي يقطنها غالبية الفرنسيين.
ما أسلفناه من كلام علمي متوازن، لا يعدو أن يعبر عما يجب أن تكون عليه الأمور.. أي ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن.. أو بلغة العلم، ماهو معياري مقابل ما هو موضوعي.
أحزاب اليمين المتطرف تتغذى من هكذا أزمات
إن الكائن والموضوعي والحاصل على أرض الواقع، هو مجموعة تداعيات تُساير الحدث وردود العنف حول الحدث في ظاهرها.. الهدف منها اتخاذ أحكام ومواقف ارتجالية ومواقف اللحظة على شكل ردود أفعال وانفعالات.. يستغلها أصحابها لفرض إيديولوجياتهم ومواقف أحزابهم.. والحديث هنا يكاد ينحصر على اليمين المتطرف، ليس في فرنسا وحدها بل في أوربا برمتها.. أحزاب اليمين المتطرف التي تتغذى وتنتعش بمثل هكذا أحداث. والتي تمنحها شرعية وصوابا لخطابها العنصري ضد الآخر المختلف سواء في العرق أو الدين أو الجغرافيا.. إلخ.
فاليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية النشطة بأوربا، خصوصا بألمانيا والمجر وبولندا والسويد وإيطاليا وبدرجة أقل في بريطانيا وبلجيكا.. تعمل حاليا على توظيف أحداث فرنسا لصالحها من خلال “خطاب عنصري تقليدي وكلاسيكي”، يربط مظاهر العنف بالمشاكل الناتجة عن الاختلاف الثقافي والعرقي وكذا الهجرة واللجوء.
الخطاب الشعبوي يربط بين العنف والهجرة
وتستفيد هذه الأحزاب المتطرفة والأصوات النشاز، المنتقدة للهجرة والمعادية للآخر الغير أوربي والغير مسيحي على وجه الخصوص، من مثل هكذا أحداث عنف وأزمات. فقد استغل السياسيون اليمينيون وأحزابهم، في جميع أنحاء أوروبا هذه الاضطرابات بهدف خلق مشاعر معادية للاجئين والمهاجرين على وسائل التواصل الإجتماعي وفي الإعلام الرسمي أو الخاص بهم.. وجعلوا منها مناسبة للدعوة إلى تقييد سياسة الهجرة بشكل أكثر صرامة مما هي عليه حاليا، ومناسبة أيضا لحشد المواطن الغربي ضد المهاجرين ومناصرة خطابها اليميني المتطرف.
وقد نجحت فعلا هذه الأحزاب في ندائها للتبرع لأسرة الشرطي المشتبه به عبر مواقع التواصل الإجتماعي بشكل سريع يظهر مدى تأثر الرأي العام في أوربا بهكذا خطاب متطرف وشعبوي.. وستنجح بالتأكيد في انتخاباتها المقبلة بشكل لافت.. ولربما ستملك مارين لوبين الفرنسية، فرصة أفضل خلال الانتخابات القادمة في ضوء انتشار مثل هذه الأفكار المتطرفة، ولربما ستنجح في منافستها للرئاسيات المقبلة، إن استمر اليمين المتطرف في استغلال هذه الأزمات لتمرير خطابه العنصري بهذا الشكل المطرد..
فاليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا برمتها يعتمد على خطاب تقليدي واحد منذ عقود وعقود، يتمثل في تصوير الهجرة واللجوء باعتبارهما المشكلة الجذرية لمشاكل أووربا ومشاكل العنف والبطالة المرتبطة بها. فالربط بين العنف والعرق والهجرة، وكذا الربط بين العنف وتهديد النظام العام، خطاب كلاسيكي جاهز من قبيل الأحكام المسبقة والثابتة في خطاب اليمين المتطرف بأوروبا، يلوح به كلما ظهرت مثل هاته الأزمات على السطح.