تمغربيت:
ذكرى اغتيال بوضياف
يوم 29 يونيو 1992، يوم أسود في تاريخ الجمهورية الوليدة.. وهو التاريخ الذي تم فيه اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف.. تاريخ ضمن تواريخ الظلام في الجزائر وتاريخ ضمن تاريخ الاغتيالات والإقالات والنفي في الجزائر.
ماكينة الاغتيال.. منذ الانفصال
بوضياف واحد من المغتالين في بلد الغدر والاغتيالات السياسية (من بومدين إلى القايد صالح).. كما أن الشادلي بن جديد واحد من المُقالين تحت تهديد القتل (وليس المستقيلين).. وكما أن بوضياف واحد من المعتقلين والمنفيين من طرف “رفاق النضال بالأمس” (من الحسين آيت أحمد إلى مفدي زكريا.. )
اغتيال بوضياف يختزل تاريخ ما يسمى بالثورة والحكم والسلطة بالجزائر
التحق بوضياف بالحرب ضد فرنسا كقائد من القيادات الأولى البارزة في مجلس الثورة (هذا في الفترة ما قبل استقلال.. أو انفصال الجزائر عن فرنسا بتقرير مصير تقدم به ديغول. فانتهى به الحال معتقلا ومحكوما عليه بلإعدام، من طرف رفاق الأمس ما قبل الاستقلال وطواغيت اليوم المحتكرين للسلطة عسكريا.. وأخيرا مختارا للمنفى بالسويد أولا إلى أن استقر به الحال بالمغرب منذ 1964: المغرب الذي احتضنه كما احتضن ما يطلق عليها ب “الثورة” الجزائرية متمثلة في “مجموعة وجدة”.
وأخيرا يعود إلى الجزائر بعد 28 عاما (من منفاه بالمغرب) رئيسا للجمهورية بدعوة من العسكر الحاكم بالجزائر منذ 62. فكانت للأسف مجرد محطة ،ليس إلا، لتصفيته واغتياله. وكأن لسان حالهم يقول (جابوه باش يقتلوه)
فكانت وفاته وفاة ًأيضا للأمل الديمقراطي الذي بدأ مع انتخابات 1988 وانتهى مع اغتياله سنة 1992.. ليبدأ التاريخ الأفظع والأكثر سوادا في تاريخ الجزائر الحديثة، والذي لم يعشه الشعب الجزائري، حتى زمن الاحتلال الفرنسي.. ألا وهو العشرية السوداء.
هي إحدى وثلاثين سنة، تفصلنا عن تاريخ الغدر والاغتيال البشع هذا.. اغتيال أراده العسكر على المباشر ليشاهده العالم بأسره ويترسخ في أذهان الجزائريين عبر لايف مقصود.. 31 عاما ولم يتم بعد، فك خيوط وأسرار الجهة المسؤولة عن اغتياله، فلم يحقق ولم يتم اتهام أي مسؤول عسكري أو مدني وراء منفذ ( مجرد منفذ) الجريمة السياسية امبارك بومعرافي.
هكذا إذا ظلت قضية اغتيال بوضياف غامضة مثلها مثل قضية كريم بلقاسم ومحمد خيدر.. قضية تعكس الانقسام الذي عرفته الجزائر بين رفاق النضال بالأمس (1954 و1992).. كما تعكس الصراعات السياسية آنذاك بين (1988 و 1992).. وتعكس أخيرا صراع الأجنحة التي تعيشه الجزائر حاليا بعد رحيل بوتفليقة واغتيال القايد صالح وقصة طرد السفير الإماراتي.
31 سنة مرت وما زال ناصر بوضياف نجل الرئيس الجزائري الراحل متمسكا بضرورة الكشف عن حقيقة الاغتيال المدبر، الذي شهدته المنصة الرئاسية في دار الثقافة بعنابة. معبرا، مثله مثل أفراد أسرته وكذلك الغالبية من الجزائريين، عن رفضه ورفضهم للرواية الجزائرية العسكرية الرسمية، التي تقول أن الاغتيال هذا كان عملا فرديا وأن “بومعرافي”، كانت لديه أسباب سياسية تتعلق بخلفياته الإيديولوجية التي ألصقوها بالجبهة الإسلامية للإنقاذ.
مات بوضياف ولم يمت الأمل ولم تمت آخر كلماته رحمه الله قبل الاغتيال : “باش فاتونا في الغرب؟ فاتونا بالعلم”.