تمغربيت:
المغرب عصيا عن السلطة العثمانية
العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الشريفة والإمبراطورية العثمانية تعرف تطورا
في الوقت الذي كانت عديد من الدول العربية شرقا تابعة للأتراك العثمانيين. وكانت بعض الدول في شمال إفريقيا غربا قد أصبحت مستعمرة من طرف فرنسا بعد تخلي الأتراك عنها.. نقرأ في مؤلف “المغرب في مواجهة التحديات الخارجية” للمؤرخ علال الخديمي، أنه ابتداءا من سنة 1894، كانت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الشريفة والإمبراطورية العثمانية تعرف تطورا وسلاما. حيث كان يغلب عليها المشترك الإسلامي.. كما يورد أيضا أنه في سنة 1901م ساهم المغرب في مشروع بناء خط سكة حديد الحجاز الذي يربط بين دمشق والمدينة المنورة، والذي استمر إنجازه 9 سنوات، بما مقداره 500 ألف درهم قدمها السلطان مولاي عبد العزيز بمثابة إعانة للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
خلافة عثمانية في الشرق ومغربية في الغرب الإسلامي
تاريخ المملكة الشريفة له خصوصياته، فلا هو يتطابق كلية مع تاريخ (ولا تاريخ بعض) بلدان شمال إفريقيا أو ما يسمى بالمنطقة المغاربية، إلا حين كان المغرب الأقصى يحكم انطلاقا من العاصمة مراكش أو فاس ، المغرب العربي كله إلى طرابلس شرقا، أو أجزاء من هاته البلدان.. ولا هو تطابق مع تاريخ الشرق الإسلامي.. فهو من مَثل وتَمَثل الإسلام والخلافة الإسلامية في الغرب الإسلامي بثوابت الأمة التي تبلورت وتنزلت على الواقع الجغرافي والثقافي والحضاري بالغرب الإسلامي، من خلال ثلاثية نموذج التدين بالغرب الإسلامي (أشعرية العقيدة ومذهبية مالك وسلوك الجنيد.. مؤطرة بإمارة المؤمنين).
في سياق تعدد “الخلافات الإسلامية” وتعدد العواصم الإسلامية (من الخلافة وليس من الخِلاف)؛ شرقا بين بغداد وإسطنبول ووو.. وفي الغرب الإسلامي (المملكة الشريفة) بين وليلي وفاس ومراكش.. يدفعنا الفضول للبحث في العلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي. وضمنه العلاقات المغربية العثمانية..
المغرب عصيا عن السلطة العثمانية
ولعل السؤال يفرض نفسه : لماذا المغرب ؟ وهنا نرجع إلى ما قلناه في البداية عن خصوصية تاريخ المغرب. فبينما كل ما كان شرق المغرب والدولة الأمة المغربية والمملكة الشريفة ، كان يعد جغرافيا وسلطة وإمبراطورية وخلافة تركية عثمانية تابعة لحكم الأتراك، سواء عبر حكم مماليك أو حكم قراصنة من أحط القوم كما كان الحال في إيالة الجزائر.
فالإمبراطورية العثمانية استطاعت أن تبسط نفوذها على العديد من المناطق مشرقا ومغربا، إلى حدود الإمبراطورية المغربية غربا، أينما وصلت هذه الحدود المغربية مدّا أو جزرا، امتدادا إلى طرابلس أو انحسارا إلى الغرب الجزائري (بمسماها الحالي).. فخصوصية المغرب الأقصى جعلته عصيا على السلطة العثمانية، مستقلا بخلافته عنها، رافضا الخضوع لسيادتها.. دون سائر الدول العربية.. مشكلا الاستثناء المغربي بخصوصياته وفرادة نموذجه في التدين والثقافة والحضارة..
والشاهد عندنا، تصرف المملكة الشريفة كسلطة مستقلة، ترتبط بالشرق التابع لآل عثمان من خلال العلاقات الدبلوماسية العامة، التي تحكم وتؤطر سياسات الدول فيما بينها.. علاقات تحكمت فيها جغرافية حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث تجاذبت فيها الأطراف المغربية الأوربية والمغربية التركية والتركية الأوربية .. في ظروف حتمت عليها أن تتأرجح بين التوتر تارة والحرب تارة والسلم تارة.
المغرب عصيا عن السلطة العثمانية
مرت العلاقات المغربية العثمانية بثلاث مراحل
وقد مرت العلاقات المغربية العثمانية بمراحل ثلاث كما يقسمها بعض المؤرخين:
_ مرحلة أولى في القرن 16م، حاول العثمانيون أثناءها بسط سيطرتهم على المغرب كغيره من الدول العربية الأخرى، لكن دون جدوى. حيث بقيت المملكة الشريفة مستعصية ومستقلة بسلطتها الخاصة الممثلة للغرب الإسلامي.
_ مرحلة ثانية خلال القرن 17م، فقدت فيها الدولة العثمانية الكثير من قوتها فلم تعد تشكل خطرا كبيرا على الإمبراطورية المغربية،
_مرحلة ثالثة، منذ النصف الثاني من القرن 18م حيث ضعفت الدولة العثمانية، فاتسمت العلاقات المغربية العثمانية بالتعاطف الإسلامي والتطور والسلام، وقد شكل عهد السلطان المغربي محمد بن عبد الله، النموذج الأمثل لهذه المرحلة. وتبقى مساهمة السلطان المغربي في المشروع التركي لخط سكة الحجاز شاهدا على هذا الترابط.