تمغربيت:
*تقديم
قصة الملقبة “أم حسن” أو “مولاي حسن” هي في حقيقة الأمر “ريا وْسْكينة” الجزائرية (أو أخطر).. التي دخلت المغرب مع الجنود الجزائريين من الحْرْكة الذين يمثلون العمود الفقري لجنود الجيش الفرنسي، ضمن مجموعة من القوادات الجزائربات.. اللواتي، كما أسلفنا، كُنّ يصاحبن الجيش الفرنسي أينما حل وارتحل، في أي مستعمرة فرنسية..
فالحملات الفرنسية الكولونيالية كانت تتألف من كتائب الجنود المكوِّنة للجيش الفرنسي.. إضافة إلى كتيبة من المومسات يوضعهن رهن إشارة ورغبات الجنود داخل ما كان يسمى ب “المواخير العسكرية المتحركة”.
فكانت هذه المجموعة، النواة الأولى لبوسبير، وأول من أسست أوكارا للدعارة بالمملكة المغربية وتحديدا بمدن.. الدار البيضاء وفاس ومكناس.. أوكارا دخيلة على ثقافة المغاربة وأسلوب تدينهم.. في سياق نظام الحماية الفرنسية بالمغرب.
* “أم حسن” هذه كانت تؤدي أدوارا خطيرة ومتعددة منها :
استدراج المقاومين المغاربة والتجسس لصالح الفرنسيين وتنبيههم بتحركات المقاومين المغاربة. وفي مدينة مكناس كان لها دور في إحباط هجوم المقاومة المغربية ضد ثكنة عسكرية كان يقيم بها ألف جندي تابع للجيش الفرنسي.. هذا الهجوم خطط له بتزامن مع مناسبة موسم الولي الصالح الشيخ الكامل سيدي الهادي بن عيسى.. فهي من وشت وأخبرت الفرنسيين بهذا المخطط العسكري للمقاومة.. كما ساهمت إلى جانب فرنسا في أحداث وانتفاضة فاس سنة 1912.. فضلا عن إنشائها لمجموعة من أوكار الدعارة طبعا وهي مهمتها الرئيسية.
*أم حسن المجرمة..
ومن جرائمها البشعة، قتلها رفقة عشيقها، لإحدى نزيلات بيوتها للدعارة بعدما حاولت الهرب.. فقامت بتقطيعها إربا لكي تقدمها قطعا قطعا كوجبات للقطط قصد التخلص من جثتها.. فاكتُشِف أمرها من طرف طفل وتم اعتقالها بعد التبليغ عنها.. وحوكمت بعدها محاكمة مشهورة تناولتها الصحف بالمتابعة وبإعداد تقارير حول قصتها..
ثلاث شهادات مهمة فضلا عن مرافعتها أمام القاضي.. تبرز دورها في إدخال الدعارة إلى المغرب، حسب تقرير إحدى الصحف الفرنسية آنذاك.
*شهادات من التاريخ
كان من بين الشهود، طبيب إسمه كربستياني يحكي أنه كان يعرفها ما بين 1911 و 1912.. وكان من بين ماقال في شهادته أنها “كانت عاهرة جائت من الدار البيضاء الى فاس بهدف تأسيس دور للتسامح/للدعارة maisons de tolérance”؛ .. مما يؤكد أن مهمتها الأولى بالمغرب.. والتي رسمتها وخططت لها فرنسا الكولونيالية كانت واضحة تتمثل في إدخال الدعارة الى المغرب، مستعينة بأم حسن وعدد من أمثالها من جزائريات وإفريقيات ويهوديات.. ذلك أن المغرب لم يكن يعرف مثل هاته الممارسات وهاته الأوكار بينما كانت موجودة منذ قرون بجغرافيا الجزائر تحت الاحتلال التركي العثماني.
*شهد شاهد من أهلها
أما الشهادة الثالثة للجزائرية هي أيضا المدعوة مريم أحمد والتي أشار اليها التقرير الصحفي بالقوادة ذات الباع الطويل والخبرة في المجال ancienne patronne. فقد قالت أمام القاضي انها “جائت من الجزائر إلى المغرب قبل 23 سنة اي سنة 1913. حيث ان المحاكمة جرت سنة 1936. وقالت ايضا ان ام حسن عاشت طويلا مع خليلها وهو ضابط.. وأنها لم تمكث معها سوى يوما واحدا فلا تعرف بالتالي عنها الشيء الكثير”.. هذه الشهادة، تبرز لنا ايضا أن أعدادا كبيرة من القوادات جيء بهن ضمن الحملة الفرنسية من الجزائر إلى المغرب قصد إنشاء وتوطين الدعارة ..
وبالتالي نحن أمام كتيبة حقيقية جُنِّدت لهذا الغرض .. ولو كانت ظاهرة الدعارة وظاهرة بوسبير موجودة آنذاك في المغرب مثل الجزائر لما جيء بعشرات القوادات ومئات المومسات الجزائريات والأفريقيات واليهوديات إلى المملكة الشريفة.. فالظاهرة كما قلنا في الأجزاء السابقة عرفتها الجزائر مع الحكم التركي قبل قرون، بشهادة وليام سبنسر في مؤلفه: الجزائر في عهد رياس البحر.. والإمبراطورية المغربية كما يشهد التاريخ هي الوحيدة من بين العرب التي وقفت ندا أمام التوسع العثماني فهزمت الأتراك في معركة اللبن ولم تخضع بالتالي أبدا لحكم الأتراك.
ثم الشاهدة الرابعة أمام القاضي، المدعوة سليكة بنت محمد، القوادة الجزائرية هي أيضا، التي جيء بها إلى المغرب قبل 17 سنة، أي سنة 1919…
كلهن جيء بهن من الجزائر قبل إنشاء بوسبير سنة 1920.. جيء بالبوسبيريات من بلاد بوسبير الأصلي الذي عرف هذه الظاهرة منذ الحكم التركي قبل قرون وقرون. فهاته الأفواج بالمئات مثلت النواة الأولى لظاهرة بوسبير بالمغرب والتي كانت خاصة بالجنود من جهة.. وأغلقها الراحل محمد الخامس منذ 73 سنة من جهة أخرى، واضعا نهاية لمسلسل بإخراج فرنسي وتمثيل نسوي جزائري في عهد حماية مشؤومة لا علاقة للمغاربة نساء ورجالا بها… بينما الظاهرة البوسبيرية باقية مستمرة بالجزائر، مقننة مرخص لها إلى يومنا.. بل وتؤخذ عنها ضرائب مثل أي تجارة حرة.