تمغربيت:
1-في تعريف الدولة الحديثة..
عقل هيجل، إعقال وعقلانية فيبر ومادية ماركس..
هناك فرق بين إعقال فيبر وعقل هيجل.. فيبر يتكلم عن الوسائل، لأن الدولة عنده هي: “مجموع وسائل عقلنة المجتمع”. هيجل يتكلم عن الأهداف، لأن الدولة عنده هي: “تجسيد العقل المطلق”. (ص 74)
هناك فرق بين عقلانية فيبر وقومية غرامشي. الدولة الحديثة عند فيبر تنبني على العقلانية، وهي عند غرامشي تنبني على “وعي قومي جياش”.. يقول عبد الله العروي: “من غير المستبعد أن تكون مميزات الدولة الحديثة –جيش، بيروقراطية، سوق وطنية، توحيد لغوي.. نتيجة سياسية مبنية على وعي قومي جياش”. (ص 78)
هناك فرق بين عقلانية فيبر ومادية ماركس. عند فيبر، العقلانية (التي بنيت عليها الدولة الحديثة) “موهبة واختيار عفوي يميز الحضارة الأوروبية”. وعند ماركس، ما هي إلا انعكاس لممارسة الطبقة الوسطى (هذه العقلانية يراها العروي انعكاسا لممارسة الطبقة التجارية الرأسمالية.. فيقول: “الدولة الحديثة هي دولة الرأسمالية”). “يربط ماركس أداة الدولة بعقلية الطبقة الوسطى التجارية.. ثم يربط هذه بمنطق الرأسمال”. أما فيبر “فيرفض أن تكون الرأسمالية هي السبب الوحيد للدولة”. (ص 80-81-82)
2-التركيب النهائي لتعريف الدولة الحديثة:
لا بد، إذن، من تعريف تركيبي للدولة الحديثة، تعريف يجمع بين النظرية ونقدها والوضعانية.. تعريف “يرمز للمراحل الثلاث التي مر بها الإنسان قبل أن يدرك واقع الدولة الحديثة”. الدولة الحديثة:
– مبنية على منطق العقل الموضوعي (هيجل): “تفرض على المجتمع قانونا يمثل منطق الموضوع الذي لا يخضع لوجدان أو لعقل فرد”.
– مفصولة عن المجتمع (ماركس): “منفصلة عن المجتمع الإنتاجي، ومتحكمة فيه”.
– بيروقراطية (فيبر): “وهذه هي ميزة مجموعة من الأدوات التنظيمية والقمعية”. (ص 85-86)
عند هيجل، الدولة: دولة العقل المطلق، وهي المجتمع نفسه.. عند ماركس، الدولة السياسية غير الدولة الاجتماعية، الدولة غير المجتمع. عند فيبر، الدولة: مجموع أدوات عقلنتها. وتتجلى أهمية هيجل في رفض خضوع الدولة لوجدان الفرد وعقله. كما تتجلى أهمية ماركس في التمييز بين السياسة والاقتصاد، فهو أصلها.. ولكنها ليست هو. أما أهمية فيبر فتتجلى في الكشف عن أدوات العقلنة كميزة للدولة الحديثة.
ظل مفكرون كثيرون يناقضون: هيجل بماركس، هيجل بفيبر، وماركس بهذا الأخير. يتكلمون جميعا في إطار “نظرية الدولة” لا خارجها، يعبرون عن مرحلة ما من مراحل تطور هذا الإطار عبر التاريخ.. لم يستوعبوا بعد تطوره الكلي. يخلص العروي إلى أن نظرية الدولة بدأت مع هيجل، تعرضت للنقد مع ماركس، ثم تعززت بوضعانية فيبر.. بهذا يتجاوز انحسار الوعي بالدولة في مرحلة من مراحل تطور نظريتها، ويجعله نتيجة للوعي بتطورها الكلي.