تمغربيت:
الحسن شلال
عن الدين والتدين نتكلم
هل كل متدين يمثل الدين وهل كل مسلم يمثل الإسلام؟
وهل المسلمون يمثلون الإسلام في حياتهم كما هو او كما يفترض ان يكون التدين في اعلى وارقى صوره ؟
ألم يقل Maurice Bucaille صاحب مؤلف la bible le Coran et la science الحمد لله اني عرفت الاسلام قبل ان اعرف المسلمين؟ في مقابلة سلبية وواقعية بين الاسلام دينا وواقع المسلمين تدينا؟
فكم من ملحد ألحد ؟ وكم من مسلم نفر من الإسلام .. فقط بسبب سلوكيات مشينة أو تعصب او تطرف لافراد وجماعات محسوبة على الاسلام او السلفية المعاصرة والاسلام والسلف منهم براء.؟
نقول : لعل عدم القدرة على الفصل والتمييز والتفريق بين مفاهيم *الدين والتدين* من أبرز تجليات هذه الظاهرة الخطيرة (تبديع وتكفير المجتمع…المرجو مراجعة الحلقة الأولى) التي لم تلق عناية كفاية من طرف الباحثين في الفكر الإسلامي المعاصر عموما والمهتمين بظواهر التكفير والتطرف تحديدا.
ورغم أن تبعات هذا الخلط وتداعياته فكرا وسلوكا يتجه بنا مباشرة الى الخلط بين ما هو إسلام أو دين وبين ماهي جماعة او حركة او تيار إسلامي. بين الدين السماوي وبين قول المفكر الفلاني أو العالم العلاني في المسائل الفكرية والفقهية المتعلقة بالدين. بين الكتاب والسنة كمعطى ديني وبين دراسة وشرح وتفسير الكتاب والسنة كمعطى بشري. الأمر الذي يترتب عنه اعتبار هذه الحركة أو تلك الجماعة هي جماعة المسلمين الناطقة باسم الله والرسول. وهذا الأمير أو زعيم الحركة خليفة للمسلمين على منهاج النبوة او خليفة رسول الله او خليفة الله في أرضه. وهذا التيار هو الاسلام بعينه ومن حاذ عنه حاذ عن الاسلام … وبالتالي تبرز ظاهرة تبديع وتضليل ثم تكفير المخالف حكاما كانوا او أفرادا وجماعات بل ومجتمعات بكاملها … فالأمر اذا جلل وجد وليس بالهزل.
*الدين والتدين .. في المعنى والمفهوم والطبيعة.. والفروقات بينهما
فأما الدين فالقصد به الوحي والنص ( كتابا وسنة صحيحة) .. الرباني المصدر .. الذي يمثل المطلق والحقيقة. المتعالي على الزمان والمكان والسياق (الجغرافي والتاريخي والثقافي). الممثل للحقيقة المطلقة. الدين كمجموع التصورات حول الله والكون والحياة ومجمل التشريع المحكم… الدين بأركانه العامة (الإيمان – الإسلام – الإحسان). كما نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم وبلغه.
الدين الإلهي المتعالي المطلق المستند على الخطاب الشرعي…الدين كمجموعة مسلمات ومقاصد عامة غير مرتبطة بزمان ومكان وسياق (تاريخي جغرافي ثقافي) باعتبارها مبادئ صالحة لكل زمان ومكان …
اما التدين : في المقابل ..
فنقصد به المقاربة البشرية للدين والوحي والنص .. التدين باعتباره محاولة شرح وتفسير وتحليل وفهم للنصوص القرآنية والحديثية .. التدين كمنهح استنباط للاحكام ، والتأصيل والتقعيد لقواعد أصولية عامة وتفريعات عنها .. والاشتغال بالصنعة الفقهية وفق مناهج علمية أصولية مع استعانة بعلوم الآلة كما يطلق عليها قصد استنباط احكام او استخراج قواعد ومقاصد واستخلاص لقوانين شرعية الخ .. التدين بمعنى الشرح والتفسير البشري للدين عبر محاولة فهم النصوص..
وبالتالي كخلاصة ونتيجة لما سبق .. التدين يحيلنا الى ماهو عمل ونشاط بشري .. وفهم بشري للخطاب الديني امتزج مع سياقاته.. بشري نسبي .. يحتمل الصواب والخطأ .. تدين قابل للنقد والمراجعة .. يمثل حقائق ولا يمثل الحقيقة المطلقة.. يتكيف مع الزمان والمكان والسياق ولا يتعالى عليها .. كما يؤطره السياق الجغرافي والتاريخي والثقافي فيتاثر ويتفاعل ويتكيف معه وفي إطاره .. الخ
*فان كان الدين واحد هو الإسلام ..فانماط التدين متعددة ومختلفة وأحيانا متضاربة ومتصارعة!
ان اختلاف انماط التدين ينبني ويدور ويروم حول اختيارات معينة ومحددة في ثلاث مجالات تشكل اركان الدين : – المجال العقدي (الإيمان) – والمجال الغقهي التشريعي (الإسلام) والمجال السلوكي والروحي (الإحسان). فضلا عن السياقات التاريخية والجغرافية والثقافية الحضارية التي تؤطر وتهيمن على نمط ونموذج التدين باعتبار محدداتها العرقية والقبلية والدينية السابقة الخ التي يتفاعل معها الدين أثناء تنزيله في الواقع والعمران البشري.
إذا نحن أمام إشكالية وظاهرة تندرج ضمن المجال الذي ينظر إلى الدين في احواله وتنزيلاته التطبيقية والعملية اي في ممارساته وتعبيراته وتجلياته وتمظهراته. تقول الباحثة المغربية في الفكر الإسلامي د.جميلة تلوت : (رغم ان الدين واحد الا انه توجد أشكال مختلفة من الممارسات الدينية التي تندرج تحت عنوان “الاسلام”). وبالتالي فتعدد الممارسات واختلاف التعبيرات والتمظهرات الدينية أنتجت لنا انماطا متعددة ومختلفة من التدين .. من هنا كان عنواننا التدين المغربي قاصدين به التميز والاختلاف الذي طبع الظاهرة الدينية او نمط وأسلوب التدين بالمغرب والغرب الإسلامي ..وفقا للسياقات المحددة والمؤطرة للدين في عملية تنزيله واقعا، بالمغرب/ الغرب الإسلامي. سياقات التاريخ والجغرافيا والثقافة الخ ..
فالمعادلة والعلاقة بين التدين والسياق علاقة تلازم واطراد وتأطير : تعدد انماط التدين بتعدد السياقات ؛ فهذا سياق مشرقي وذاك سياق أوربي وهنالك سياق آسيوي .. الخ ..
إن كل ما سلف يُعنى بعلاقة التدين بالدين في سياقاته التاريخية والجغرافية والثقافية … مقابل التدين المؤطر بالسياق الأيديولوجي، الخارج عن تغطية السياق التاريخي والجغرافي والثقافي .. سياق إيديولوجي قاتل لأصحابه وللمجتمع ككل .. متعال عن محددات العرق والجغرافيا والثقافة السائدة .. متعال عن الزمان والمكان. مثله مثل الدين نفسه في المكانة والتسامي ..تدين إيديولوجي يمتلك الحقيقة المطلقة ويتمثل الدين نفسه ليمثل ويزعم تمثيل مملكة الله وخلافة النبوة ..ولنا في الماضي والحاضر نماذج منه مثل تدين الخوارج التكفيري وتدين التشيع السياسي وتدين الباطنية وتدين ما يطلق عليه جزافا بالسلفية المعاصرة، سياقاته أيديولوجية سياسوية متحكمة فيه ومؤطرة له ومحددة لأصوله وأحكامه التكفيرية.
يتبع
في الحلقة القادمة نتطرق لميزة و خصائص و مقومات التدين المغربي..
كونوا في الموعد