تمغربيت:
الحسن شلال*
لم يترك الامام الأشعري، والأشاعرة، من بعده مسألة خاضت فيها الفرق الأخرى الا وناقشها ودحضها بالنص أولا ثم البرهان العقلي ثانيا ..فجمع بين الأدلة النقلية والعقلية في المسائل العقدية .. وهذا منهح فريد خالف به النصيين الحرفيين الذين سقطوا في التشبيه والتجسيم، كما خالف به العقليبن المفرطين في استعماله بدون ضابط نصي حتى تجاوزوا النصوص ..
فكان وسطا بين هؤلاء وأولئك.
حصل هذا في وقت لم يستطع فريق ممن يدعون تمثيل مدرسة السلف مجاراة ومناظرة العقليين المعتزلة. فلا أهل التفسير ولا أهل الحديث ولا غيرهم يمتلكون ملكة الححاج والمناظرة العقلية أو علوم الآلة من منطق وفلسفة وعلم كلام، فانبرى لها إمام أهل السنة وقتها الإمام أبو الحسن الأشعري الذي تمرس أساليب الحجاج والمناظرة والمنطق وتمكن من علم الكلام فكان إماما رائدا فيه. ويقول ابن خلدون في هذا المقام ( ميزان العقل ميزان صحيح وهو المعول عليه ) .
الأشعرية كمنهج بحث وتحليل في مجال علم التوحيد تبحث في النص غير جامدة مع ظاهره اللغوي (صحيح المنقول وصريح المعقول) ..فإن كانت حاجة للتأويل أولوا وبدليل نصي وعلى مقتضى اللغة، وإلا فلا تأويل بل تفويض…
إن شرح وتفسير الصفات الخبرية مرت بمراحل بين التفويض والتأويل بدءا بمرحلة الإمام أولا ثم مرحلة الإمام الباقلاني المجدد ،حيث عمل بالتفويض أغلب وأكثر مع قليل من التأويل فجائت بعدها مرحلة إمام الحرمين الجويني حيث بدأت تنحى أكثر نحو التأويل من مرحلة الباقلاني ثم جائت بعدهما مرحلة الإمام حجة الإسلام الغزالي التي جمعت بين التفويض والتاويل.
هذا وقد انتقل علم التوحيد على منهح أهل السنة والجماعة والسلف الأشاعرة في عصر الغزالي إلى المغرب حيث لعب كلا من ابن تومرت المغربي، الذي تتلمذ على الغزالي وكذا ابو بكر العربي المعافري دفين فاس، دورا رياديا في هذا الانتقال.
من هذا التاريخ، دخل المذهب الأشعري، أي المنهج الأشعري في مباحث العقيدة، إلى المغرب في عهد المرابطين (القرن الخامس الهجري) كما جاء على لسان القاضي عياض في ( ترتيب المدارك ) بواسطة عدد من طلبة العلم المغاربة خصوصا من تتلمذوا على يد الامام أبو حامد الغزالي أحد أقطاب ومجددي المذهب بعد الإمام الباقلاني و امام الحرمين الجويني ..
فلما انتقل الحكم الى الموحدين ..ترسخ هذا المذهب السني السلفي أكثر إلى أن صارت العقيدة المعتمدة والأساسية والرسمية أيضا عند المغاربة في الغرب الإسلامي – علما ان الموحدون كانوا يحكمون الجزائر وتونس وليبيا والاندلس – وبالتالي ترسخت الأشعرية في هاته الأوطان بحكم التبع والتبعية لسلاطين وعواصم وثوابت أمة المغرب الأقصى. كما يذكر القاضي عياض في هذا المقام ايضا (أن المشارقة و المغاربة كلهم على مذهب الأشاعرة أهل السنة والجماعة) يدينون بدين التوحيد على منهج وتفسير اهل السنة والسلف الأشاعرة.
*متخصص في التاريخ والمذاهب العقدية والفقهية