تمغربيت:
شكل غياب التنظيمات “الجهادية” على الساحة الفلسطينية علامات استفهام حول الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه التنظيمات في العالم العربي. وكيف اجتهدت هذه الأخيرة في الحشد والتجنيد على الساحات السورية والليبية والمصرية واختفت تماما على الساحة الفلسطينية؟؟
وإذا كان البعض يربط هذا الغياب بالأجندات الوظيفية التي تلعبها التنظيمات الإرهابية.. والبعض الآخر يرى أن الأمر مرتبط بالأدبيات الفقهية والعقدية للتنظيم، فإننا نرى أن الاستنباط صحيح في الحالتين. وذلك راجع للاعتبارين التاليين:
العدو القريب والعدو البعيد
المعطى الأول مرتبط بالتقعيدات الفقهية لهذا التنظيمات والتي تقسم أعدائها إلى قسمين: العدو القريب وهي البلدان الإسلامية والتي حكمت عليها ب “الردة” ووضعتها في خانة الأنظمة الطاغوتية.. والتي لا يجوز الدخول معها في مهادنات أو معاهدات وبالتالي فإن الصراع هو قاعدة التعامل مع هذه الأنظمة، أو الاستعداد و “إعداد العدة” في حالة العجز عن المواجهة.. كما يطرح شيخ المنظرين “الجهادية” سيد إمام شريف. وهذه الدول مقدمة في القتال على غيرها من الدول الغربية.
القسم الثاني هو العدو البعيد والذي يضم جميع الدول التي تصفها التنظيمات الجهادية ب “الكافرة”.. ويطلق عليهم وصف “الكفار الأصليين”. وتضم هذه المجموعة جميع الدول الغربية وغير الإسلامية. هؤلاء يمكن الدخول معهم في معاهدات وحتى تحالفات، والأهم من ذلك أنهم ليسوا المقدمين في القتال.
من نقاتل أولا؟؟
انطلاقا من هذا التكييف الفقهي، ترى التنظيمات الجهادية بأن الدول الإسلامية مقدمة في القتال، لأنها تدخل في خانة العدو القريب.. على الدول الغربية والتي تعتبر كافرة كفرا أصليا. وبإسقاط هذا التقعيد على ما يقع في غزة الجريحة وما وقع ويقع في دول عربية أخرى.. نجد بأن التنظيمات الإرهابية ترى في إسرائيل “عدوا بعيدا” لأنها دول “كافرة” وبالتالي فإن الصراع معها مؤجل إلى حين حسم الصراع مع الدول العربية والإسلامية.. والتي تعتبر عدوا قريبا لأنها أنظمة مرتدة، وذلك بناء على تطويع مشبوه للآية الكريمة “يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين”. صدق الله العظيم
تحرير فلسطين ليست أولوية عند التنظيمات الجهادية
وبناء على هذا التقعيد الضال المضل فإن تحرير فلسطين بالنسبة للتنظيمات “الجهادية” يمر، ابتداءً، عبر إسقاط سوريا والعراق والسعودية والإمارات.. ووصولا إلى مصر وتونس والمغرب.. ثم الانتقال، بعد عمر طويل، للتفكير في تحرير فلسطين. ولذلك لم نرى أثرا لهذه التنظيمات على الساحة الفلسطينية، لأن القضية الفلسطينية هي مجرد أداة للاستقطاب والحشد.. وليس قضية آنية ووجودية بالنسبة للتنظيمات التكفيرية.
إن مثل هكذا بنية سلوكية عدائية لكل ما هو عربي وإسلامي، لم تكن لتخفى على صانع القرار الغربي.. والذي رأى في هذه التنظيمات سلاحا فتاكا لضرب الدول العربية وخلق حالة من التوحش يمكن الركوب عليها لتركيع الأنظمة العربية.. ولرسم معالم جديدة للعالم العربي والإسلامي.
وخلاصة القول أن الدول العربية والإسلامية هي المستهدفة الأولى من الخطر الإرهابي.. وبالتالي عليها هي، قبل غيرها أن تفكر في بلورة استراتيجيات علمية قادرة على القضاء على البيئة المنتجة والمصدرة للفكر الإرهابي المتطرف.. باعتبار هذه الدول هي الوحيدة القادرة على فهم البنية السلوكية لهاته التنظيمات، والتي نشأت في بيئتنا وتحت أعيننا.. وبالتالي يمكن فهم سياقات تشكل العقيدة التكفيرية في أبعادها الإيديولوجية والعقدية والسوسيو-اقتصادية.