تمغربيت:
بقلم الأستاذ الحسن شلال
الإيديولوجيا والشعبوية
تفعل الإيديولوجيا والتحيز الإيديولوجي في تقسيم الشعب الواحد أو شعوب مختلفة، ما لا يفعله العدو بعدوه.. فهي القاعدة التي ترتكز عليها التيارات والتنظيمات والأحزاب والدول والأنظمة، لكي تُخوِّن وتفَسق وتُكفر الآخر المختلف أو المعارض أو صاحب الرأي الآخر ..
على الأقل، هذا ما عاينه المغاربة، من كمِّ الشعبوية الهائل الذي ظهر على هامش بعض تظاهرات مناصرة غزة بالمغرب..
ذلك أن جزءا من المظاهرة، يجمع بين متحالفين نقيضين غير متجانسين، في خليط غريب، من فصيل مكروسكوبي يساري راديكالي لم يستطع الخروج من دائرة الطرح الشيوعي السائد في سبعينيات القرن الماضي.. وفصيل إسلامي سياسي تقليدي مثالي الرؤى، لم يخرج من دائرة الطرح الكلاسيكي الذي أرساه حسن البنا منذ 1928..
(تحالف) تجاوز مبدأ المناصرة لفلسطين إلى أبعد منه فعمد إلى التوجه نحو الداخل المغربي، بعيدا عن “الكضية” وعن “القدس”.. لتوزيع رسائل وفتاوى التخوين والتفسيق والتصهيين والتفريق بين فئات الشعب المغربي الواحد المتراص دائما والمتضامن دوما فيما بينه في القضايا الكبرى.. رغم الاختلاف والتعدد..
وظاهر الأمر يوحي أن هنا بالمغرب يوجد أحرار ومنافقون مغاربة وصهاينة.. مغاربة فلسطينيون أفضل وأقوى من الفلسطينيين أنفسهم ومغاربة خونة للقضية الفلسطينية.. إلى غيرها من الثنائيات القاتلة التي لا معنى لها.
نصرة غزة وتخوين المغاربة
تركوا نصرة غزة فاتجهوا لتخوين المغاربة.. وكأنهم من فصيلة الجزائريين يعيشون بيننا..
وهذا يذكرنا أيضا بجزب الله الذي ترك القدس جنوبا فذهب شمالا اتجاه دمشق لإنقاذ النظام السوري (الذي يشبه ويمثل في التاريخ والمخيال الشيعي، السلطة الأموية).. وهو الذي قتل وهجر ملايين من الشعب السوري؛ الشعب الذي يظهر في الصورة (تاريخيا وفي المخيال الشيعي إلى جانب الحسين).. يذكرنا بهذا الحزب وهذه الإيديولوجيا الشيعية القاتلة التي بررها السيد حسن نضغ الله ؛ في هُزُؤٍ من القول ؛ “الطريق إلى القدس يمر عبر دمشق” !
“يساريون وإسلاميون” يرفعون صوتهم فوق صوت الفلسطينيين أنفسهم سواء تعلق الأمر بالسلطة الفلسطينية أو فتح أو منظمة التحرير الفلسطينية أو حتى حماس؛ الذين يعترفون جميعهم بحل الدولتين.
فيُخونون عباس وفتح ومنظمة التحرير .. ودول الأردن والإمارات ومصر ووو… باستثناء حماس ودول ومحور “الممايعة والميوعة السياسية” الذي لم بفعل شيئا للقضية أصلا بل لم يقدم بديلا في إشارة واضحة أنه مع بقاء “الحال على ما هو عليه statuquo” ..
كم هو جميل أن تناضل من أجل شعوب أخرى وهذه فضيلة دون أدنى شك.. لكن القبيح والغريب أن هؤلاء لا يظهرون ولا يهتمون للشأن المغربي سواء تعلق الأمر بثغور المغرب المحتلة أو ملف الصحراء الغربية المغربية أو الصحراء الشرقية ..
التنوع في المجتمع المغربي
ليعلم هؤلاء أن المغرب مجتمع.. مجتمع متنوع ومتعدد الأعراق والرؤى والمشارب والعادات والثقافات.. مجتمع موحَّد، وموحِّد لكل هذه التنوعات، حيث جعل من الاختلاف رحمة ومن التعدد قوة وليس العكس: عنصرية ممهدة للتفرقة .. المغرب مجتمع وليس مجمَّعا أو مجموعة.. المغرب مجتمع ينتمي لثقافة وحضارة وتاريخ عريق جدا جدا، عرف ما يُعرف بالدولة وا”لدولة الأمة” منذ قرون.. وتوحدت في بوتقته الأعراق الأمازيغية والعِبرية والعربية والإيبيرية الموريسكية والصحراوية والمسلمون واليهود والمسيحيون.. دون تمايز أو تفاضل.. مجتمع متنوع فيه بالضرورة، ووفقا للطبيعة الإنسانية، اختلاف في العادات والتقاليد، وفي الاتجاهات والتوجهات، وفي وجهات النظر أيضا.. لكن لا تُسَيَّرُ غالبيته ولله الحمد بواسطة الإيديولوجيا القاتلة.. بل بالأفكار النيرة.. فالاختلافات ظاهرة صحية ما ابتعدت عن التسييس والأدلجة.. والتنوع قوة ما نُظر إليه بشمول وتكامل وموضوعية من جميع زوايا النظر ..
ومهما كانت هذه الجهات المغربية مكروسكوبية أو ترى نفسها كبيرة، كما يقال أيضا هناك في فلسطين عن فتح وحماس (كبرى الفصائل).. فهم لا يمثلون حتى 1% من الشعب.. وبالتالي “حتى حزب أو تيار ما يدير راسو ممثل للمغرب والمغاربة” ! ..