تمغربيت:
تطرقنا في الجزء الأول إلى قصة المصالحة المغربية الجزائرية على إثر الأزمة بينهما، والتي امتدت من حرب أكتوبر 1963.. إلى التوقيع على اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين في 15 يناير 1969.. بين الحسن الثاني والهواري بومدين.
ونقول في مقام اليوم أن سبب النزاع التاريخي، الذي لم ُيحل إلى يومنا.. بل تفاقم إلى أبعد الحدود، هو ترسيم الحدود بين البلدين والنزاع المترتب عليه.. كما يعتبر هذا النزاع أساس كل العداوة الجزائرية اتجاه المغرب، وما نزاع الصحراء الغربية إلا فرع ونتاج له.
فترسيم الحدود بين الجزائر والمغرب.. يعود تاريخيا إلى 1830 مع بداية الانتشار الفرنسي بشمال إفريقيا.. بل قبله حسب المؤرخين مع دخول الاستعمار التركي للمنطقة المغاربية، التي كان يسيطر عليها (إلى تخوم مصر شرقا).. “المُوحدون المغاربة” انطلاقا من العاصمة مراكش، وهذا موضوع آخر.
فرنسا ومشاكل الحدود في شمال إفريقيا
فمشاكل الحدود إرث ورثته الشعوب المُستعمَرة أو المنتدَبَة.. من طرف فرنسا المستعمِرة أو الحامية، ويتعلق الأمر في شمال إفريقيا الفرنكفونية بأراضي مغربية متمثلة في “الصحراء الشرقية”.. وأراض ليبية متمثلة في “صحراء حاسي مسعود الغنية بالثروات”، وأراض تونسية “صحراء تونس”.. جميعها تم اقتطاعها من طرف فرنسا لتلحقها بما يسمى: “فرنسا ما وراء البحار la France outre-mer” التي كانت تعتبرها أراض فرنسية بالكامل.. وشعوبها فرنسيون أهليون من السكان الأصليين..
المغرب هو اليد الممدودة في حرب التحرير الجزائرية
في هذا السياق التاريخي، نذكر أن السلطات الفرنسية حاولت التفاوض مع السلطان محمد الخامس بشأن تلك الأراضي (وهذا اعتراف صريح من فرنسا بمغربيتها طبعا) مقابل شروط من أهمها رفع المغرب/محمد الخامس يده على مساندة حرب التحرير الجزائرية..
هذا الأمر تم رفضه مبدئيا، جملة وتفصيلا من طرف السلطان، على اعتبار أن التحاور والتفاوض مع الفرنسيين في ظل استعمار الأشقاء الجزائريين من طرفهم، يعد خيانة لما يسمى “الثورة الجزائرية”.. وطعنا في ظهر الحكومة المؤقتة آنذاك، التي كما قلنا سالفا كان يترأسها فرحات عباس. وفوق هذا كله يعد اعترافا صريحا بسيادة فرنسا على جغرافيا الجزائر..
وقبل استقلال الجزائر أو لنكن دقيقين، قبل انفصال الجزائر عن فرنسا بموجب استفتاء حسب شروط اتفاقيات إيفيان، قام وفد من الحكومة المؤقتة بالجزائر عام 1961، بزيارة خاصة للسلطان محمد الخامس كان ضمنها: فرحات عباس كرئيس للحكومة المؤقتة، عبد الحفيظ بوصوف كوزير للدفاع ، لخضر بنطوبال كوزير للداخلية، وأحمد يزيد كوزير للإعلام، من أجل توقيع اتفاق بالمحمدية أو “اتفاق المحمدية” الذي أكد فيه الطرفان على أن “مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة سيوجد لها حل عن طريق المفاوضات بعد استقلال الجزائر”.
الأمر واضح سطوع الشمس في “نهار جميل”، اعتراف فرنسي أولا بفتحه لمفاوضات مع السلطان المغربي حول الحدود في إقرار واضح من طرفها بمغربية الصحراء الشرقية.. ثم اعتراف رئيس الحكومة المؤقتة ووزاراؤها أيضا بوجود أراض اقتطعتها فرنسا من المغرب لصالحها بمقاطعة الجزائر،وبالتالي الاعتراف بها والتفاوض حولها .. ثم إقرار أن تاريخ المفاوضات سوف يبدأ بعد استقلال الجزائر.
ورغم بياض ونصاعة ووضوح الأمور من خلال اتفاقات، سيعرف هذا الملف منعطفات ومخرجات أخرى غير التي اتُّفق حولها .. حتى أننا متأكدون اليوم أنه لو تم التوافق مع فرنسا وقتها لكان أفضل لنا مقارنة بما سنكتشفه بعد ذلك الاستقلال من غدر وخيانة؛ وكأننا لم نعتبر من خيانة الأجير عبد القادر من قبل.